Back to Top

 


مقدمة

 

       يشهد العالم اليوم تغيرات عميقة وجذرية نتجت عن التطور المعرفي المتسارع وما نتج عنه من تطور تكنولوجي ورقمي ، يصف وبشكل مباشر ما آلت إليه تداعيات التحول نحو الرقمنة والسعي الحثيث للوفاء بمتطلباتها . وتدلنا الشواهد إلى أن التطبيقات الرقمية المقترنة بالثورة الصناعية الرابعة، قد أثرت بشكل كبير على التفاعلات الحياتية وتسيير الأعمال المقرونة بهذه التطبيقات التي تصف مدى سيطرة الآلة الرقمية والروبوتات على مجريات الأمور، وفي اختزال دور الانسان ليصبح ترسا في الآلة الرقمية، وأنها أصبحت تدير مقدراته وأوجه تفاعله وانتاجه، دون تدخل مباشر له أو تفعيلا لإرادته التي تصف قدراته الانسانية في اتخاذ القرار والسلوك بمقتضى القيم الاجتماعية والفردية التي تعكس الوجود البشري الانساني في أسمى معانيه.

 

  تهدف الثورة الصناعية الخامسة المستقبلية إلى دمج البشر والتكنولوجيا بعناية، مما يضمن أن كلاهما يعمل معاً بشكل وثيق، وأن يزود كل منهما الآخر بفوائد لا حصر لها مما يؤدي إلى استعادة تلك الثقة، وضمان استخدام التكنولوجيا لصالح العالم، وليس فقط من أجل الربح، فالخوف من أن تحل التكنولوجيا محل البشر في القوى العاملة، هو الهاجس الذي تهدف الثورة الصناعية الخامسة إلى القضاء عليه من خلال إعادة البشر إلى العمل، عبر وظائف جديدة يتم خلقها، استبدالاً لتلك التي شغلتها التكنولوجيا.

 

   وسوف يتم التركيز بشكل كبير على دور الإنسان كمحرك رئيسي للابتكار والتحول التكنولوجي لتحسين جودة الحياة للجميع، وحل التحديات الاجتماعية، وتحقيق رفاهية أفضل للإنسان من خلال توظيف التقنيات التكنولوجية المتقدمة وتطبيقاتها العديدة في كافة مجالات الحياة المختلفة.

  وتهتم الثورة الصناعية الخامسة بالإنسان الذي يستطيع من خلال التقدم التكنولوجي حل القضايا الاجتماعية بواسطة الأنظمة التي تم تطويرها من خلال الدمج بين الفضاء السيبراني والفضاء المادي حيث يركز هذا النموذج الاجتماعي الجديد على الاتصال بين العالم الحقيقي والعالم السيبراني، والذي تم تعريفه وتطوره في الثورة الصناعية الخامسة؛ لحل المشكلات الاجتماعية الحالية بشكل أكثر كفاءة وفاعلية.

   ولعل هذا يفرض على المؤسسات التربوية  في عصر الثورة الصناعية الخامسة القيام بأدوار متعددة، منها: فهم فعاليات ومتطلبات وتداعيات هذه الثورة، وتهيئة المجتمع للتعامل معها، والاستفادة القصوي من الفرص التي تتيحها هذه الثورة في تحقيق التنمية المستدامة، وكذلك المشاركة الفعالة في تطوير التقنيات والإبداعات التقنية واكساب الطلاب المهارات الحياتية والقدرة على العيش (التعاون) معًا والقدرة على التفكير بشكل نقدي وإبداعي، وكذلك المهارات الناعمة ، فضلاً عن المهارات غير المرئية التي تكون مفيدة في العديد من حالات العمل، بما في ذلك: المهارات الشخصية، والقدرة على أن يكون الإنسان مواطنًا عالميًا، وتكريس مهارات الاتصال الفعالة في هذا الإطار.

    وسوف يكون التركيز في الثورة الصناعية الخامسة حول “الثقة” و “الإنسانية”، وهو ما يعكس بناء الانسان جوهر الوجود ومحرك التنمية الرشيدة في أسمى معانيها. وسيكون للتعليم ومؤسساته الدور الأكبر في تنمية مجتمع الثورة الصناعية الخامسة من خلال تحسين جودة الموارد البشرية، وتوفير فرص الإبداع المتعلقة بأدائهم.

    ووفقا لما تقدم، فإن مؤتمر كلية التربية هذا العام والذي يأتي تحت عنوان (التربية وبناء الإنسان في ضوء توجهات الثورة الصناعية الخامسة -رؤي وآفاق مستقبلية)، جاء ليتناول أبعاد الثورة الصناعية الخامسة، وكيف أنها ستؤثر على الاتجاهات التربوية في بناء الإنسان وتشكيله، من خلال الرؤى والآفاق المستقبلية التي سيتم طرحها من خلاله.