Back to Top

 


مقدمة

    تتنامى وتيرة التغيرات العالمية وتتعدد أبعادها في ظل ثورات متلاحقة معرفية وتكنولوجية ومعلوماتية ورقمية، وتلقي هذه التغيرات بظلال ثقيلة ومتمايزة على مسيرة المجتمعات واتخاذ التدابير المختلفة التي تعمل على مواجهة ما يتم فرضه من تحديات أو استثمار ما يتاح من فرص، خاصة مع تزايد الاتجاه نحو التنافسية الدولية وخلق كيانات جديدة تمثل ممكنات أصحابها ودوافعهم.

 

     وفي هذا الإطار انبرت الكتابات وتميزت التوجهات العالمية لتطرح اشكاليات كثيرة تتعلق بالتجاوب العالمي الذي شكل ثقافة جديدة لا تتقيد كثيرا بالحدود السياسية بقدر اعترافها بمفاهيم المواطنة العالمية التي نتجت عن التحول في مفهوم العالم الذي أصبح قرية صغيرة بفضل ثورة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والرقمنة التي ساعدت على الاندماج غير المقيد والتعرف على ملامح الانسان العالمي الذي يعيش في عالم واحد تحكمه ثقافة العالم والتحرر من القيود تلك المنتسبة لدولة دون غيرها في مفهوم العالمية.

 

      ولقد عززت اليونسكو التربية على المواطنة العالمية منذ إطلاق الأمين العام للأمم المتحدة المبادرة العالمية بشأن "التعليم أولا "(GEFI)، في العام 2012، والذي جعل من تدعيم المواطنة العالمية واحدة من أولوياتها التعليمية الثلاث. وأشارت أول مبادرة تعليم عالمي للأمم المتحدة " أنه ليس الغرض من التعليم هو تخريج أفراد قادرين على القراءة، والكتابة، والحساب فقط، بل يجب أن يضطلع التعليم بدوره المركزي كاملاً في مساعدة الناس على العيش في مجتمعات تسودها العدالة، وآمنة، ومعتدلة، وشاملة." ووفقاً للأمم المتحدة، يوفر تعليم المواطنة العالمية، الفهم والمهارات والقيم للطلاب وهي التي يحتاجون إليها للمساعدة في حل التحديات الفكرية في القرن 21، والتي تشمل التغير المناخي، والصراع، والفقر، والمجاعة، وقضايا المساواة والاستدامة. ومن ثم تحقيق مخرجات تعليمية تفي بالنجاح المتوقع.

 

    ويتعلق مفهوم المواطنة العالمية بإيمان الفرد بضرورة التعايش السلمي مع الثقافات الأخرى حول العالم وإلمامه بالقضايا العالمية ومشاركته في إيجاد الحلول المناسبة لها وشعوره بالانتماء إلى العالم أجمع، واحترامه لمبادئ المساواة وحقوق الإنسان والتسامح والعدالة الاجتماعية واهتمامه بالبيئة العالمية وأهمية المحافظة عليها، وزيادة مشاركة ووعي وإدراك الأفراد لواجبات والتزامات معينة تحقق الاندماج والتشارك وفق المعايير والقوانين والقيم التي تعلي من شأن الفرد وتنهض به، والمحافظة على مصالح البيئة العالمية، وتحقيق أهداف المسؤولية العامة من خلال الأطر الدولية والالتزام بقضايا ومشكلات العالم ، بالإضافة إلى تكريس مجموعة من القيم مثل الانتماء والمشاركة الفاعلة والديمقراطية والتي تؤثر على شخصية الفرد فتجعله أكثر إيجابية في إدراك ما له من حقوق وما عليه من واجبات نحو الوطن الذي يعيش فيه، وأمته والعالم بأسره.

     وتسعى المواطنة العالمية إلى إعداد الأفراد للتفاعل مع عالم يسوده تعدد الثقافات، والتغيير المتسارع، والمساهمة الفاعلة في قيادة العالم نحو التقدم والتطور، فهي تنظر إلى كوكب الأرض باعتباره وطناً للجميع يجب المحافظة عليه وصون موارده، وتنظر إلى جميع الناس باعتبارهم أسرة واحدة تحترم بعضها البعض، وتتعايش في إطار من التسامح والتفاهم واحترام الخصوصيات الثقافية لكل شعب. وإن معظم المشكلات التي تحدث في أي مكان لا يقف تأثيرها على فئة محددة من البشر بل تمتد إلى دول العالم، ومن هنا تعتبر عالمية المشكلات والقضايا ركيزة أساسية للاهتمام بالمواطنة العالمية. ويصبح من الضروري تزويد المتعلمين بالمعرفة والمهارات والقيم والاتجاهات التي تساعدهم على التكيف مع هذه المتغيرات ومواجهة تحدياتها بحكم انتمائهم للمجتمع العالمي.

 

    ويهتم المؤتمر الحالي بتطوير الإحساس بالمواطنة العالمية فالتربية من أجل المواطنة والتعليم العالمي هو الذي يعتمد على مبادئ التعاون ونبذ السلوك العدواني واحترام حقوق الإنسان والتنوع الثقافي، والتسامح والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، ويشجع على التفكير الناقد ومسؤولية المشاركة، وهو ما يستهدفه مؤتمر كلية التربية وإظهار دور التربية ومؤسساتها في الاعداد للمواطنة العالمية من خلال مواجهة التحديات واستثمار الفرص المتاحة محليا وعالميا.